المحبة أفضل وأسمى من الشريعة. في المسيح اختار الله أن ينقل الانسان من مستوى شريعة العقاب والثواب الى مستوى المحبة التي هي طبيعة الخالق عينه ودافعه الأساس في تعامله مع البشر.
منذ أعوام عدة، أخبرني أصدقاء من لي من جنسية أوروبية ان حكومة بلدهم أقرّت قانونًا يلزم كل مواطن بأن يساعد أي شخص يتعرّض أمامه لحادث ما. فأصبح لزامًا على مواطنيهم ان يهبوا لنجدة من يقع أمامهم في الشارع صريع أزمة قلبية أو شخص تدهسه سيارة مسرعة في الطريق او ولد يطلب النجدة من شباك المنزل المجاور. وسرعان ما بادر الى ذهني ان قانونًا كهذا لا يمكن إصداره في أي بلد عربي، ويمكن القول بالأحرى إن لا مجال للتفكير في استصدار قوانين مثال هذه هنا. والسبب هو ان الناس في شرقنا العربي لا يحتاجون الى قانون يلزمهم ان يهبوا لمساعدة من يحتاج لمساعدتهم. ما زالت المحبة، ولله الحمد، تحكم علاقة الناس بالناس عند العرب. لذا لا يحتاج أي مواطن عربي ان تلزمه دولته كي يهرع لمساعدة شخص او مواطن استجار به. حتى ان الكثيرين منا يسارعون الى مساعدة من هم في ضيق دون ان ينتظروا دعوة او استنجادًا. أما لماذا كان على حكومة اوروبية استصدار قانون يجبر الناس على مساعدة الناس، فلأن وقع الحياة السريع، وابتعاد الناس في الغرب عن اخوتهم وجيرانهم بحجة ضيق الوقت، قد قتل المحبة تجاه الأخ والقريب والغريب. لذا، ومع انعدام المحبة، سقطت علاقة الناس بالناس من مستوى المحبة الى مستوى القانون الملزم، المهدد بالعقاب في حال التخلّف.
الله يريد ان يبقى تعاملنا معه ومع اخوتنا في البشرية في دائرة المحبة السامية التي هي أعلى من كل شرائع الأرض، مهما تعددت مصادر تلك الشرائع. في المسيح، نحن نخدم الله لأننا نحبه، ونعيش بقداسة لأننا نحبه. قلوبنا تفرح به وتهلل مطيعة وصيته: أحِبَّ الرَّبَّ إلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ، وبِكُلِّ نَفسِكَ، وبِكُلِّ قُوَّتِكَ، وبِكُلِّ فِكرِكَ، وأحِبَّ قَريبَكَ مِثلَما تُحِبُّ نَفسَكَ. الانجيل بحسب لوقا 10: 27
اما خدمة الله خوفًا من العقاب، فهي خدمة ثقيلة، صعبة، فيها من العبودية ما يجعلها حملاً لا يحتمل. من يخدم قائدًا لأنه يحبه يسهل عليه ان يضحي في سبيله، ومن يخدم قائدًا لأنه ملزم بالقانون يسهل عليه ان يخونه ويتركه عند اول مفترق طرق. لنختر اليوم ان نصعد في المسيح الى مستوى المحبة التي تمكن جائزتها فيها.
من يحب، يكفيه جزاءًا انه يحب.