هل تفقد الماسة بريقها فيما لو وضعت بين الحجارة؟ بل إنها تتمايز أكثر، ويصبح بريقها أكثر لمعانًا
لقد جهد علماء الدين والدنيا في البحث عن جواب لهذا السؤال: لماذا خلقنا الله؟ وبعد قرون من الحضارة وآلاف المجلدات من البحوث المختلفة، تبدو الآراء حول الهدف من الخلق متشعبة ومحيّرة ومتعددة. لكن ما هو مؤكّد، هو أن الله لم يخلقنا لكي “يقرف” ويشمئز منا، ولا لكي ينظر إلينا ويقول “حاشا أن أقترب من مخلوقاتي”. إن صورة الإله المتكبّر الذي يخلق إنسانًا ليكون موضوعًا لتكبّره وهدفًا لتحقيره لهي صورة مشوّهة، بل ومهينة لقلب الله المحب.
لماذا نخاف من الفكرة أن الله تنازل للبشر؟ هل نخاف من أن نسلب الله عظمته؟ وهل يمكن لأي شيء أو لأي أحد أن يسلب الله مكانته وعزّته؟
في الهند، في أيام الاحتلال الانكليزي، صعد محام شاب إلى القطار وطلب أن يجلس في درجة الـ “بريمو”، إي في الدرجة الأولى. فجاوبه بالرفض قاطع التذاكر الذي أصر أن يجلس المحامي في الـ “تيرسو”، أي في درجة العامّة. احتدم الشجار بين المحامي وقاطع التذاكر على مسمع أحد رجال الدين، الذي سارع إلى التدخل. وعندما أُخبرَ رجل الدين عن سبب النزاع، سأل المحامي الشاب: “ما همك إذا كنت تجلس في التيرسو او في البريمو؟ هئنذا رجل دين واجلس في التيرسو”.
أجابه المحامي :”لأنك رجل دين، الناس يدعونك ’أيها المحترم’ عندما تجلس في البريمو، ويدعونك ’ايها المحترم’ حتى عندما تجلس في التيرسو. إن قيمة رجل الدين لا تتزعزع ولا تتغير مع الدرجات. بل على العكس من ذلك، فجلوسك في التيرسو يعتبر تواضعًا منك ويزيد من إعجاب الناس فيك. أما أنا، فإني محام وصورتي تهتز إذا ما رآني أحد زبائني جالسًا في درجة العامة”.
بعض المقامات قيمتها فيها، ولا تهتز صورتها ولا تنقص عندما يتواضع صاحبها. بل على العكس من ذلك، فان التقدير لشخصه يزداد كلما ازداد تواضعه. هكذا الله، فتنازله ليحلّ بين الناس يزيد من تقديرنا له. إن إلهنا عظيم في مجده، وهو أيضًا عظيم في تواضعه.
يُحكَى أن الملوك والأمراء العرب، أيام امتداد سلطان العرب من الشرق إلى الغرب، كثيرًا ما خلعوا ثياب الولاية وتنكّروا بزي أشخاص عاديين وساروا بين الناس يستمعون لشكواهم ولهمومهم ويتعرفون بمشاكلهم على حقيقتها. وهذا ما ساعدهم على أن يحكموا بالعدل والإنصاف كل طبقات شعوبهم وأطيافها.
التواضع هو من أجمل صفات الله.